سلامة الأسفار !

يصل المسافر فينهض له المكان، وتستيقظ الأبواب والنوافذ التي غفت منذ رحيله. يلتفت القادم من سفره، يملأ عينيه بالمشهد الذي تركه خلفه، فلا شيء تغيّر إلا ذلك الشعور الطفيف الذي يُنبئه أن الوقت مضى وأنه غاب..! وقبل أن يسأل عن الحال و أيضاً قبل أن يرخي جسده من عناء الطريق، يجد عبارة تأتيه كهدية غير متوقعة “سلامة الأسفار”!

عبارةٌ لا تتعجل الترحيب و لا تفيض بالمبالغة!! لكنها حنونة بما يكفي لتلتف حول الروح مثل غطاء دافئ. لا تقول فقط “حمدًا لله على السلامة”، بل تمتد قليلاً أبعد من ذلك، كأنها تُبارك الرحلة نفسها و تقرّ بأنها كانت ضرورية، وتحتفي بها كما تحتفي بسلامة العائد.

أحب هذه العبارة، أحب وقعها حين أسمعها، وأحب نبرتي حين أقولها. فيها شيء قديم، شيء يشبه ما نختزنه في الذاكرة دون أن نعرف كيف وصل إلينا…! وحين أتساءل عن أصلها، لا أجد جوابًا شافيًا: هل جاءت من نجد؟ من الحجاز أو الجنوب؟! أم أنها تسللت بين الديار حتى صارت للجميع؟ لا يهم…! ما يهم أنني كلما سمعتها شعرت بأن أحدًا يُربّت على قلبي برفق، كأنها جزء من تقاليد لم تُكتب، لكنها حيّة، تنتقل بين الناس كما ينتقل الضوء في الأزقة الضيقة وقت العصر.

“سلامة الأسفار”  جملة قصيرة، لكنها تحمل في طياتها السفر كله، بتعبه وأشواقه وأمانيه، ثم تضعه بلطف على العتبة، كأنها تقول: لقد عدت، وكل شيء بخير.

اترك رد