لا تزال الذكريات القديمة تسكن الزوايا الخفية في قلوبنا، تتسلل خفية كما يتسلل عبق الحطب في مشبّ بيتنا القديم. كان ذاك المشبّ مملكة شتوية صغيرة تجمعنا تحت دفء النار وصوت الحكايات، وكأنها تقص علينا أسرار الحياة! لم يكن صباحنا يبدأ دون المرور عليه، ولا مساءنا ينتهي دون وداعه. أتذكّر جيدًا كيف كنت أذهب إلى المدرسة تحملني رائحة الحطب، وصديقاتي يضحكن بسذاجة طفولية، قائلين “ريحتك حطب!”، لم أكن أعبأ بذلك كثيرًا بل على العكس، كنت أحمل تلك الرائحة كوسام شتاء خاص بي.
أما أمي! تلك السيدة التي لا تُقاوم، كانت لا تكلّ ولا تملّ في إقناع جدتي بالقدوم إلينا كان المشبّ حينها حديث عهدٍ بالفناء، مشروعًا لم يكتمل إلا بفضل إصرار أمي وإلحاحها على أبي.! وكان المشبّ بالنسبة لها أكثر من مجرد مكان للتدفئة، بل كان حلمًا صغيرًا تحقق وسط الشتاء البارد. وجدتي جاءت إلينا وهي تخفي مرضها لم نكن نلحظه آنذاك! و كأنما أرادت أن تمنحنا هديتها الأخيرة، حكاياتها العذبة وقصائدها التي تضيء الأرواح كما تضيء النار في المشبّ. لم نكن نعلم حينها أن الشتاء يحمل معه وداعًا .
والآن يمر اليوم سريعاً و تذكّر الماضي لابد أن يخالط يومي حين أروي لأولادي تلك الذكريات، يتجدد الحنين في قلبي و أغني لهم ما كانت أمي تغنيه لنا مقدمة مسلسل “حكايات عالمية” هي أغنية بسيطة، لكنها تحمل عبق طفولتي حتى أنهم حفظوها بصوتهم البريء .
أكتب لكم اليوم بينما أرتب حقيبة السفر سوف نسافر إن شاء الله لمدينة مجاورة لنا. أعتقد أنني لم أذكر لكم أين أعيش حالياً > أسمع بالغموض ههههههههههههه، لكن سأحكي لكم بعد عودتي إن شاءالله .