عندما يصمت القلب

في زاوية صغيرة من هذا العالم تجلس امرأة في منزلها، حيث الجدران تحفظ فقط صدى كلمات تُقال بدافع الواجب لا الشغف..! تتقاسم الأيام مع رجل كان ذات مرة وعدًا بحياة سعيدة..! لكنه أصبح الآن شريكاً في صمتِ مستمر. لا كلمات حب تملأ الجو، ولا دفء لمسة تذكّرها بأنها ما زالت موجودة ككيان يُحَب.

ترى الحياة تمضي من حولها كأنهار تفيض بحب لا ينتمي إليها. تحلم في صمت، بأيام كانت تأمل فيها أن تجد الحب الحقيقي. لكنها تتساءل…/ هل يمكن للقلب أن يواصل الخفقان بلا حب؟ وهل يمكن للروح أن تعيش في سجن الواجب دون أن تنكسر؟

لكنها…. بالرغم من كل شيء تستيقظ كل صباح، تشعر بقدميها على الأرض الباردة، وتبدأ يوماً آخر في صون العشرة تجد نوعاً من النبل، نوعاً من الحب الذي لا يملأ القلب بالفرح، لكنه يمنحه الاستقرار.

في عزلتي الصامتة،،! أفكر في اللحظات العادية التي تمر دون أن يلاحظها أحد، أجد فيها سرًا يدركه من عرف الصمود. العظمة ليست في الإنجازات الظاهرة، بل في القدرة على الوقوف مجددًا رغم كل ما يثقل الروح.

واجهت مرات عديدة ذلك الفراغ، ذلك الشعور بالعدم الذي يطغى على اليقين. ومع ذلك اخترت النهوض! حتى عندما كان قلبي على وشك الانكسار. تلك اللحظات البسيطة تحمل شجاعة عظيمة، حيث يظهر الإنسان في أقصى قوته عندما يبدو ضعيفًا.

الحكمة، كما تعلمت تتسلل عبر الألم! وتترك بصماتها فينا. أن أسعى كل يوم لأكون أفضل هو فعل من أفعال البطولة الصامتة، في الخطوات الصغيرة/ في التكرار الهادئ/ تكمن عظمة لا يدركها إلا من واجه الحياة بكل تحدياتها.

مشتريه بماي عيني

كنت أتصفح حسابي على “ساوند كلاود” منذ فترة، ووقعت عيناي على أغنية عبدالكريم عبدالقادر “مشتريه بماي عيني“. ما دفعني للكتابة عن هذه اللحظة هو ملاحظتي أنني أضفت هذه الأغنية إلى المفضلة من معظم الحسابات التي رفعتها، وكل الكوبليهات التي تخصها و كلماتها البسيطة تخفي في طياتها عظمة شعور يتجاوز الزمن لا شك لدي في أن مشاعره الحقيقية تجسدت في هذه الأغنية، رحمه الله .

وعلى ذكراه أذكر ذلك الفنان الذي احتل قمة مفضلاتي دومًا خالد عبدالرحمن كان شابًا يغني بإحساس نادر، إحساس لا يمكن أن يتجسد في أي فنان آخر لا قبله ولا بعده. أراهن على أن إحساسه فريد من نوعه. في مراهقتي كنت أعرفه قبل غيره من الفنانين وأحفظ كلماته التي كتبها وغناها أحب صوته و أدافع عنه بشدة، رغم كل انتقادات الأصحاب من حولي التي تصفه بالبدوي ذو الصوت الممل ومن يسمعه ممل مثله!  نعم أنا أشبهه، أشبه كلماته وألحانه التي تعبر عني. أتذكر جيدًا كيف كنت أجمع صوره خفية عن والدي وألصقها في داخل دولابي هههههه، حتى اكتشفها ذات يوم وطلب مني إزالتها رفضت في البداية وقاومت طلب والدي! ولكنني استسلمت وأخفيتها في مكان آخر:) لم يكن لصوره نصيب في حياتي بعد انتقالنا إلى منزل جديد، لكن تعلقي بأغانيه لم يتغير.

أين يكمن السلام !

إن الإنسان في صراعه الأزلي مع ذاته ومع العالم من حوله، يجد نفسه في مواجهة خيارين دائمين التجاوز والتخطي. وهذان ليسا مترادفين كما قد يظن البعض! بل هما جوهران مختلفان ينبعان من أعماق النفس الإنسانية.

التخطي يا أعزّاء هو الفعل الذي نقوم به حين نجد أنفسنا أمام حاجز يبدو لنا أنه لا يمكن تجاوزه، فنكسره بعنف..! مدفوعين بضرورة البقاء أو تحقيق هدف ما. إنه فعل يحكمه العقل والظروف، ولكن ما أثقل هذا الحمل الذي نلقيه على ضمائرنا حين نتخطى شيئًا كان مقدسًا أو محرمًا! فالتخطي لا يخلو من شعور بالذنب، من الندم الذي يتسرب إلى نفوسنا بعد أن نحقق ما ظننا أنه خلاص.

أما التجاوز! فهو أسمى وأرقى… إنه التحرر من قيود النفس، من الأوهام التي تسجن أرواحنا التجاوز هو الصعود، هو الارتقاء فوق العالم المادي إلى مستوى أعلى من الفهم والقبول. التجاوز هو النظر إلى الأمور بعين الروح لا بعين الجسد. إنه السمو الذي نراه في أليوشا كارامازوف ذلك النور الداخلي الذي يقوده إلى الإيمان بالحب والرحمة رغم كل الشرور.

وفي هذا التفريق، أرى أن التخطي قد يؤدي إلى السقوط/ إلى الغرق في وحل الأخطاء، بينما التجاوز يرفعنا إلى آفاق أرحب، إلى الحرية الحقيقية و ما أشد صعوبة التجاوز! فهو يتطلب من الإنسان أن يتخلى عن ذاته، عن كبريائه، ليصل إلى الحقيقة.

فلتتأملوا أيها الأعزّاء في حياتكم كم مرة تخطيتم وكم مرة تجاوزتم؟ وهل وجدتم السلام في التخطي، أم أن السلام يكمن في التجاوز؟