أندريه ريمنيف Andrey Remnev

ريمنيف ليس مجرد فنان، بل شاهد صامت على أحلام الإنسان وأوهامه، يرسم وجوهًا تبدو وكأنها خرجت من الأساطير، لكنها في الواقع تحمل كل ما هو إنساني: الحيرة، العزلة، الحنين إلى شيء لم يوجد قط. إن لوحاته ليست مجرد ألوان وخطوط، بل هي كائنات معلقة بين السماء والأرض، بين الحلم واليقظة، كما لو أنها تستحضر أرواحًا قديمة لم تجد لها مكانًا في هذا العالم، فبقيت تحوم في فضاء لوحاته.

وربما، بنزعته الفلسفية، سيتساءل إن كان ريمنيف يرسم العالم كما هو، أم كما يجب أن يكون؟ هل ملامح شخصياته الناعمة تخفي صراخًا داخليًا، أم أنها تنتمي لعالم أكثر نقاءً مما عرفته البشرية؟ هل الطيور التي تطير في لوحاته رموز للحرية، أم أنها مجرد ظلال لأرواح تبحث عن خلاصها؟

إنه لا يرسم الجمال فحسب، بل يرسم الفكرة المختبئة خلف الجمال

بعض من مما راق لي من أعماله :

عن العجز الذي يسكننا

لا نملك إلا أعينًا نفتحها على الصور! ثم نغلقها كي لا تفيض.
غزّة ليست نشرة إخبارية …! ولا مشهدًا يمرّ سريعًا في زمن العجالة.
غزّة هذه المرّة — كما في كل مرّة — تنهض من الركام لتدلّ علينا، لا لنتدلّى عليها بالبكاء.

لم نكن يومًا أبطالًا، نحن الذين نراقب من خلف الشاشات، نُطفئ الضوء عند اشتداد القصف ونترك لأرواحنا أن ترتجف. نحن العاديّون، غرباء في جغرافيا الخوف، نقول لأنفسنا: “ماذا بوسعنا أن نفعل؟” وكأنها جملة نُسكِت بها ضميرًا بدأ يعلو صوته.

هناك في الضفة الأخرى من هذا العالم، تتعثّر طفلة بين الحطام تبحث عن أمّ كانت تعدّ لها عشاء البارحة. و هناك امرأة تحمل في حضنها رضيعًا وتهمس له باسمٍ جديد اسم من غبار! كأنها تقول “ابقَ هنا، لا تذهب.”
وهناك مدينة صغيرة تُهدَم شوارعها ثم تُرسم من جديد في ذاكرة ساكنيها.

العجز ليس تبريرًا هو فقط مرايا نكسرها لئلا نرى وجوهنا في لحظة الخراب.
نكتب ! نعم ….  لعلّ الكتابة تشبه الصلاة لعلها تخفف شيئًا من وطأة أن نكون بشرًا لا يستطيعون سوى أن يشهدوا.

غزّة يا عروس التعب،
نحن لا نملك سلاحًا، ولا قوة، ولا سياسة.
نملك فقط قلوبًا ترتجف وأقلامًا نحاول بها أن نشهد،
لئلا يُقال إنّ أحدًا لم يَرَ،
ولم يسمع،
ولم يَبكِ.

– اللوحة لـ ميسرة بارود

ما بعد العيد: الرتم الذي يعود دون استئذان

كأنّ شيئًا لم يكن !
هكذا يعود رتم الحياة بعد العيد، دون أن يطرق الباب أو يُمهل القلب كي يلتقط أنفاسه! تعود الأصوات اليومية بنبرتها المعتادة صوت الغلايّة / زفير الأجهز/  وقع الخطوات في الممر/ وضجيج المدن التي لا تأبه إن كنت قد احتفلت بالأمس أو مرّ بك حنين مفاجئ لصوت المفرقعات.

رمضان مرّ سريعًا هذا العام.
ربما لأنه كان في الغربة؟! أو لأننا نحاول في البعد أن نكثف المعنى ونعوض الغياب بالتفاصيل مثل فطور صغير نعدّه كأننا نستعد لاستقبال زوّار و دعوات هامسة آخر الليل، واتصالات متأخرة نحاول فيها أن نطمئن على من نحبّ دون أن نُظهر كم نشتاق.

في الغربة، لا يُعلَن العيد كما يُعلَن في الديار.
هنا نرتب ملابسنا بأنفسنا و نأخذ الصور لأنفسنا ونقنع الطفل الذي في داخلنا بأن هذا الفرح يكفي..! حتى وإن لم يطرق أحد الباب صباحًا ليقول “عيدكم مبارك“. ومع ذلك قضينا وقتاً جميلاً، ضحكنا على أشياء صغيرة، وتبادلنا التمر والشوكولاتة كما لو كان طقسًا عريقًا، وأطفأنا أنوار البيت قليلًا لنشعل قلوبنا بالونس.

في ليلة من ليالي رمضان، خرجت إلى السوق أبحث عن حلاوة “ماكنتوش”.
لي عادة قديمة مع هذه الحلوى لا أحب منها سوى نوعين تلك التي تكون بحشوة الفراولة و الأخرى بالبرتقال… تجولت طويلًا بين الرفوف قلّبت العلب، سألت البائع، وبحثت حتى ظننت أنني سأجد واحدة في جيب معطفي! لكنّها لم تكن هناك…. كأن المدينة كلّها نسيت هذا الطعم، أو كأن الغربة قررت أن تحرمنا من أشياء لا تُشترى فقط بل تُذكر.

ثم عاد الرتم.
عاد ليذكرنا أن الحياة رغم كل ما نفقده أو نشتاق إليه، لا تتوقف…! لكنها تمنحنا لحظات تتسلل وسط الانشغال و تهمس لنا بأن الذكرى لا تموت وأن الفرح وإن كان ناقصًا يبقى فرحًا…

وكُل عام و أنتم بخير .

– سيرين