الإثنين .

يشعر المرء وكأنه في بداية درب طويل متعرج، لا يرى نهايته بوضوح. يبدأ الإنسان بحمل عبء جديد! عبء لم يختَرْه لكنه مجبر على تقبله… يخطو إلى العمل كأنما يساق إلى واجب قديم و متكرر، يختلط فيه الإحساس باللاجدوى بشيء من الأمل العابر. الإثنين يضع المرء وجهًا لوجه أمام حتمية النضال فيعيده إلى تلك التساؤلات العميقة عن جدوى الحياة نفسها.

قد يبدو للآخرين يومًا بسيطًا! ولكن في داخل النفس تتصاعد أسئلة وصراعات هادئة، متخفية خلف ابتسامات عابرة واهتمامات سطحية. يواجه الإنسان الإثنين ليس كفصل من الأسبوع فحسب، بل كمواجهة مع تلك الرتابة الوجودية، كأنه يبحث عن معنى جديد يسد به فجوات الرتابة، ولو ليوم واحد. هكذا يمضي الاثنين في صمت عميق…! كأنه اختبار آخر على الطريق، اختبار الصبر! على أمل أن يكون هناك ضوء في نهاية المسار.

الأحد .

ليس يومًا عابرًا في تقويم الحياة!! بل هو وقفة تذكير بعزلة الروح وسط عالم يسير في زحام صاخب. يومٌ فيه يجد الإنسان نفسه في مواجهة غير مسبوقة مع ذاته، مجردًا من أي ملاذ… فلا العمل يُسليه، ولا الرفاق يملؤون فراغه! يكشف الأحد عن هشاشة المرء،/ عن تلك الوحدة الثقيلة التي تختبئ خلف كل ضحكة زائفة وكل ادعاء بالقوة.

يجلس الرجل في بيته وقد أسدل الظلام ستاره، وتسللت برودة الخريف إلى عظامه…! يبدأ بالترقب إذ يبحث عن دفء مفقود أو شيء يمحو عن كاهله عبء أسبوع مضى وآخر يقترب. ووسط هذه الفوضى!! يرفع عينيه نحو النور المتسلل عبر نافذته، ليكتشف أنه رغم كل شيء ما زال هنا.

الأحد هو درس قاسٍ في الصبر في انتزاع الرضا من قبضة الفراغ، في مواجهة السكون الذي يُنبت بذور التأمل العميق والمواجهة مع النفس.

توتّر !

كثيرًا ما نعيش حياتنا وسط خيوط التوتر! نحتمل عبئًا ثقيلًا على كواهلنا، يتسرب إلى أرواحنا كضبابٍ رمادي يغشى البصيرة ويقيد الأنفاس توترٌ ينشأ في أغلبه من ذلك الصراع الداخلي المستمر…! الصراع بين ما نريد فعله وما نُجبر على فعله..! بين الواقع الذي نحياه والأحلام التي تضغط علينا و تذكّرنا بما لم نحققه وما نخشى ألا نحققه أبدًا.

و للتخفيف من وطأة هذا التوتر.. هي إدراكه، فهم هذا العبء كرفيقٍ غير مرغوب فيه لكنه ملازم والاعتراف بوجوده بصدقٍ دون هرب أو إنكار.. حين تقبل وجود هذا الهمّ، تتغير نظرته من عدوٍ مستمرّ إلى رفيقٍ مؤقت. وكأنك بتسليمك له تكفّ عن مجابهته وتبدأ في محاورته وهذا كما يقولون دائمًا يخفف من ثقله أكثر مما نتخيل.

ثم هناك تلك اللحظات التي يجب فيها للإنسان أن يتخلى عن محاولة السيطرة على كل شيء! أن يمنح نفسه إذنًا بسيطًا ليكون إنسانًا متعبًا، متوتّرًا في هذه المساحة التي يُنشئها لنفسه… تبدأ نفسه المرهقة بالتنفس مجددًا كعصفور خرج للتو من قفصه الحديدي.

ثمّة شيءٌ سحريّ في السير وحيدًا ! فقط أنت وأفكارك والطريق الممتد أمامك.. بعض الناس يسيرون وهم يفرغون التوتر بين خطواتهم/ بعضهم يكتب/ ينقل أحاسيسه إلى ورقةٍ كأنما يرمي فيها أثقاله ويتركها تسكن هناك بعيدًا عن عقله/ والقراءة القراءة ذلك الملاذ الساكن كل سطرٍ يُقرؤه يخفف شيئًا من وطأة الأيام يأخذنا بعيدًا إلى عالمٍ آخر حيث الأبطال يعيشون توترات تشبه توتراتنا وآلامًا نكاد نشاركهم فيها.

ولا بأس أن تكون إنسانًا ضعيفًا أحيانًا بل إن الإنسان في ضعفه يكتشف جزءًا جديدًا من قوته. وأخيرًا… حينما تأوي إلى فراشك في نهاية كل يوم تذكر أن ما تعجز عن فعله الآن قد يسهل في الغد، وأن الراحة ليست عيبًا ولا هروبًا!! بل هي توازنٌ ضروريّ لنفسٍ تنهكها الحياة وتشتاق إلى لحظة سكينة .