أعرفكِ.
عرفت عينيك قبل أن يُرسم هذا الضوء على جسدي.
كنتِ من حلم بي ذات مساء خريفي،
حين مللتِ كل الأجوبة.

أقف على الصدفة لا لأدلّك على الجمال،
بل لأقول إنني خرجت من شيء،
ولا أنتمي بعد لأي شيء.

لم أُولد من البحر كما قالت الأساطير،
بل من صمتٍ طويل، ومن رغبة أن أكون امرأة دون أن أُشرح أو أُمتدَح.
أنا لست رمزًا،
ولا استدعاءً للغواية،
أنا لحظة صدق.
وقفت هناك،
لأراكِ ترين نفسك، لا لتري جسدي.

لا تسألي: من هذه؟
اسألي: ماذا فيّ يشبهها؟

أعرف أنكِ تعبتِ من أن تكوني دائمًا “صورةً مناسبة”،
تُضاء جيدًا، وتُعلّق بإتقان.
لكن ما من أحدٍ سأل قلبك إن كان يريد ذلك.

في العزلة، وجدتُ أنني لا أحتاج جمهورًا،
ولا حتى خلاصًا.
يكفيني أن أكون شاهدةً على صمتي.

اكتبي، إن أردتِ،
لكن لا تكتبي عني.
اكتبي عن تلك اللحظة التي لم تقلقي فيها من نظرة أحد،
ووقفتِ كما أنتِ، لا أجمل، لا أنحف، لا أكثر حكمة.

ميراث لا يُكتب

في عائلتي، لم تكن المرأة تستأذن الحياة، كانت تمضي فيها كأنها صاحبتها! تدبّر وتقوم مقام الجميع، تحسن التقدير ولا تتأخر عن الفعل… لا تطلب/ لا تنتظر/ ولا تلوّح بضعفٍ لم تعترف به يوماً. صارت تلك الصورة ميراثاً يُورّث..! لا مال فيه ولا ذهب، بل وصيّة من نوع آخر ” أن تكوني أنتِ الجميع، وأن تُخفي وجعكِ بابتسامة ثابتة”.

حين قررتُ أن أخرج من هذا الدور المكرر..! ، أن أختار الشريك لا العبء، كنت أظن أنني أخطّ مساراً جديداً، شيئاً يشبه الخلاص. لكنّه يعرف مُسبقاَ أنني من تلك العائلة، لم يرَ فيّ سوى امتداداً لها .. أعادني دون أن يدري ” أو ربما كان يدري ” إلى حيث بدأت النساء قبلي/ إلى الدور ذاته/ المشهد ذاته/ الملامح ذاتها.

و كل ما فعلته أنني عدت و صمتُّ بالطريقة نفسها التي صمتت بها من سبقنني. لكنني كنت أسمع ضجيج هذا الصمت في رأسي، وأشعر بثقله في ظهري! لم تكن العودة هزيمة، كانت أشبه بإعادة تمثيلٍ لمشهد قديم، يصفّق له الجميع لأنه مألوف، ولأن أحدًا لا يريد أن يراه يتغيّر.

في كل مرة كنت أضع فيها شيئًا في مكانه، أو أتدارك خطأ لم أرتكبه، أو أستبق انكسارًا كي لا يحدث، كنت أعرف أنني لا أعيش حياتي ! بل أُعيد تمثيلها، وكأنني وُجِدتْ كي لا تُهدم الصورة لا أكثر.!

لكنني اليوم أدوّن.
أدوّن لأن الكتابة لا تُورّث ولأنها ولو للحظات تمنحني شكلاً آخر لا يشبه الميراث.! تمنحني اسماً لا تُرفق به وظيفة. وأحيانًا، يكفي أن أقول أنا ألاحظ كل شيء، لكنني لم أعد أقبل كل شيء.