تفاصيل عاديّة

بعد ليلة طويلة وقد حلّت الثامنة صباحًا، انكمشت إلى سريري لأستسلم للنوم ! استيقظت على عجل عند الواحدة ظهرًا، وبدأت بإعداد الغداء السريع صدور دجاج مشوية، رز أبيض، وسلطة خفيفة.. ملّيت من الكبسة 🙂 أما بعد الظهيرة، فقد قضيتها في انتظار مندوب التوصيل والذي طال لأكثر من ثلاثة أسابيع، حيث تسلّمت حقيبتي الصغيرة من موقع JW PEI. ويا لها من سعادة صغيرة!

حلّت فترة العصرية سريعًا، ومعها قررت تأجيل قهوتي المعتادة إلى الساعة الثامنة مساءً. ومن النادر جدًا أن أغير عاداتي، ولكنني شعرت أن الوقت قد حان لأخرج من المنزل! نعم، لقد كنت أقسو على نفسي بحبسها داخله طوال الأيام الماضية.

 

عدت إلى المنزل نظرت إلى نفسي في المرآة! وتجدّد تأنيب الضمير و أجدني أردد ذلك الوعد القديم: “لازم أعدّل نظامي الغذائي و أنام بدري!” لكن ما زالت الحلويات والمشروبات الغازية والبطاطس المقلية أصدقاء لا أستطيع التخلي عنهم ربما يأتي يوم يحمل معه تغييرًا؟ من يدري…

ولأن الحزن على هذا الموضوع لا ينفع، قررت أن أضيء يومي بشيء يسعدني أثناء تصفحي اكتشفت متجرًا مليئًا بالجماليات المنزلية التي تأسرني وأدوات مطبخ بديعة، خصوصًا الأكواب التي لا أستطيع مقاومة حبها واقتنائها. اسم المتجر anthropologie. حقًا، اسمتعوا برؤية الجمال معي .

وفي ختام هذا اليوم المليء بالتفاصيل العادية ها أنا أخصص هذه اللحظة لأكتب شيئاً بسيطاً بلا تكلفة ، عسى أن تجدوا بين كلماتي بعضًا مما يشبه أيامكم. 

 

عيوني المُرهقة

اليوم اكتشفت أن عيوني بحاجة إلى نظارات تساعدني على رؤية الأشياء بوضوح كالحروف التي تبعد عني مترًا أو حتى شبرين/ اللوحات في الطريق/ الصور المليئة بالألوان…..كل شيء أصبح ضبابيًا! حتى أنني لم أتمكن من قراءة أي شيء اليوم، فقررت تجربة الاستماع إلى كتاب صوتي عبر أحد التطبيقات كنت متحمسة جدًا،! لدرجة أنني دفعت اشتراك الشهر الأول ههههه.

بدأت بالاستماع إلى رواية “الأبله” لـ ديستويفسكي، التي قرأتها منذ زمن وأردت أن أستمتع بها مرة أخرى. أعجبني أسلوب القارئ في الإلقاء ووضوح نطقه، وكنت أتمنى لو استطعت الاستماع إليها بينما أعمل في المنزل لكن الوضع يشبه كما لو كنت أقرأ يجب أن أكون في مكان هادئ ولدي وقت فراغ طويل < “افتقدته هذا الوقت منذ زمن طويل”  كيف يمكن أن تستمتع بكتاب وأنت محاط بالفوضى؟ يبدو أن لا شيء يفوق متعة القراءة الفعلية، حيث تنغمس في كل تفصيل وكلمة .

وهكذا، وجدت نفسي في صراع بين متطلبات الحياة اليومية وعيوني المُرهقة والضعيفة ورغبتي في الانغماس في الكتب التي تمنحني بعضًا من السكينة.

يوم عادي

في محاولة لكتابة اليوميات على مدونتي بدلاً من دفتر اليوميّات، قد لا يكون هناك شيء مهم أرويه، لكنني أعتبره تمريناً على الكتابة وأسلوباً لإعادة ترتيب أفكاري.

في صباحٍ ديسمبرّي متأخر، استيقظت بعد أن قرر نومي أن يتمرد على كل القواعد…! بدا لي أن نظام حياتي قد عقد هدنة مع الفوضى وما إن فتحت عيناي حتى اشتعل حنيني لأمي حنين يقتحم القلب دون استئذان! لم أجد ملاذاً إلا أغنية ذكرى إلى حضن أمي

، التي ما إن بدأت تعزف حتى انهمرت دموعي!! كان بكاءً سريعاً، خاطفاً، وكأنني أخشى أن يُكتشف أمري.

ألقيت نظرة سريعة على قائمة مهامي لهذا اليوم! وكالعادة… أعدت ترتيب الأولويات بطريقة مبتكرة جداً 🙂 تأجيل ٧٠% منها إلى الغد. ومن يدري؟ ربما تُرحَّل بعضها إلى ما بعد الغد هههههه أنا أم المسوّفين … ماعلينا  الغداء كان كبسة سعودية سريعة، لكنها حملت دفئاً خاصاً يُشعرني وكأنني في منزل أمي.

ثم جاء الحدث الذي كسر رتابة يومي تركيب مكتبي الجديد….. يبدو الأمر كأنه لحظة انتصار لأنني اشتريته قبل ٣ أسابيع ولم أتفرّغ لتركيبه إلاّ اليوم حتى أستطيع العمل عليه براحة و لكنه في الحقيقة مجرد بداية لفوضى جديدة، حيث أحتاج إلى منظّمات لجعل هذا المكتب مكاناً يستحق أن يُطلق عليه مكتب. المشكلة؟ لا أعرف من أين أشتريها، وكأن المنظّمات أصبحت كنزاً مفقوداً في بحر الخيارات.

 

وبالطبع، كوب القهوة كان حاضراً ضرورة لا غنى عنها و اكتشفت أنني بلا بن في المنزل!! واضطررت لطلبها جاهزة من المقهى القريب وصلت ساخنة، لذيذة، ومليئة بالراحة التي أحتاجها.

في خضمّ ذلك عقدت اجتماعاً سريعاً مع أحد العملاء، وبعد ١٠ دقائق توقف الاجتماع فجأة! ثم أبلغني العميل أن لديه حالة وفاة! و تأجل إلى إشعار آخر…. تلك الكلمات أخذتني إلى ذكرى حزينة ! جدي رحمه الله، الذي رحل قبل شهرين…. شعرت بغصة لأنني لم أتمكن من السفر لمواساة أمي أو حضور العزاء..

يوم عادي و تفاصيل صغيرة لا تغيّر من رتابة الأيام ..

الثامن من ديسمبر

يقال إن العروش لا تتهاوى إلا بفعل رياح الشعب، وإن كان هذا الشعب قد صبر طويلاً على لهيب الصيف، فليسامحنا على تعاطفنا مع الشتاء الذي أطاح به.

على الرغم من أنني قد فقدت مؤخراً جزءا من الشغف في العودة إلى الكتابة !! إلا أن خبر سقوط بشار الأسد كان لحظةً تستحق أن تُسجل ! لقد شعرت بفرحة عارمة عندما سمعت أن النهاية قد جاءت أخيرًا لذلك النظام الظالم الذي استمر طويلاً ولكن بنفس الوقت لا أستطيع أن أتجاهل الحزن العميق الذي اجتاحني حينما رأيت صور المعتقلين الذين قضوا سنوات طويلة في ظلمات الزنازين، وصور الجثث التي أبت أن تسكت، رغم محاولات النظام إخفاء الحقيقة. وهذا كوم و وجود الأطفال داخل المُعتقلات كوم آخر! لم أستطع أن أكتب كلمة واحده عنهم .

وأخيراً ها نحن ذا نعيش لحظةً تاريخية، لا! ليست لحظة… بل “مسرحية”، حيث انتهى الفصل الأخير من طاغية كان يظن أنه فوق الجميع، إلى أن سقط الأسد ! أو ربما “من تظاهر بأنه أسد” لسنوات طويلة.

لكن هل حقًا هذا سقوط؟ أم أن القصة لم تنتهِ بعد؟ يا لها من مهزلة فادحة حين يتوهم البعض أن “الأسد” كان يومًا رمزًا للسلطة، بينما كان مجرد و ظلّ يحكم بقبضة حديدية على جثث الأبرياء الذين ما كانوا يطالبون إلا بأقل القليل: الحرية. كم هو مثير للسخرية أن يبقى شخصٌ ما قابعًا في هذا العرش المتهالك لسنوات، يحكم بظلمه وحقده، في الوقت الذي كانت الأرض ترتجف تحت وطأة الشعب الذي ضاق به الحال، ومارس عليه نظامه أبشع أنواع البطش والتعذيب. وبينما أسجل هذه الكلمات، لا أستطيع أن أُخفي غضبي على ما عاناه أولئك الذين عايشوا سنواتٍ من الظلم والتنكيل، أولئك الذين هاجروا قسراً عن أراضيهم و وطنهم.

أيتها الأجيال القادمة، تذكّروا هذا اليوم جيداً  ( ٨ /١٢ / ٢٠٢٤ )  ليس لأنه سقوط الطاغية فحسب، بل لأنه تذكير بسيط أن من يبني قلاعه على دماء الأبرياء، سيجد نفسه يغرق فيها.

وهنيئاً لكم بالعودة و الحريّة يا أهل الشام، فأنتم الآن تُعيدون كتابة الحكاية، وبالنسبة للباقين تذكروا أن الملوك يأتون ويذهبون لكن الأقلام هي التي تكتب الأبدية.

هيرانيا

إنها ليست مجرد فنانة، بل هي شاعرة البصر، تروي حكاياها عبر لوحاتها. هيرانيا: الفنانة السريلانكية الأصل، تجمع بين الفن التشكيلي في أعمالها و تسترجع ذكريات الطفولة وتجاربها الشخصية لتترجمها إلى لوحات تعكس الأجواء الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية لعصرنا. تتميز لوحاتها بشخصياتها التعبيرية وأسلوبها الفريد الذي يجمع بين لمسات الرومانسية والرمزية، مما يخلق أسلوباً معاصراً متقناً يمكن التعرف عليه بسهولة.

استوحت هيرانيا إبداعاتها من إرثها الثقافي في جنوب آسيا، حيث تتجلى التأثيرات في أعمالها من خلال تأثيرات تقاليد الأساتذة المحليين والفلكلور، ودراسات الأساليب الكلاسيكية للرسومات الهندو-آرية. بلمساتها، تتحول الأفكار التقليدية إلى تعبيرات فنية معاصرة مليئة بالألوان والحياة. إنها أيقونة تجسد الماضي في قالب الحداثة، وتدعو كل متأمل لأعمالها إلى الغوص في عوالم ساحرة لا تُنسى

وهنا بعض من لوحاتها التي سحرتني

فات الأوان !

إن الالتفاتة التي تأتي بعد فوات الأوان مهما بدت صادقة أو عميقة، لا يمكن أن تلامس قلبي الذي اعتاد الصمت بعد أن أرهقته الانتظارات الطويلة.
نحن في أعماقنا كائنات متعطشة للحظات صادقة تأتي في أوانها، و للحضور الذي يأتي حين نحتاج إليه ..! الكلمات التي تُقال بعد مرور مدّة من الزمن ليست سوى أصداء خافتة، تُسمَع لكنها لا تُحَس..! تلك الكلمات مهما كانت منتقاة أو مشبعة بالعاطفة، تفقد ثقلها عندما تصل متأخرة! وكأنها عبء آخر يُلقى على كاهل القلب بدلًا من أن تكون بلسمًا لجراحه.

وبالنسبة للاعتذار المتأخر! الذي يصل بعد أن تنطفئ الأضواء ويُغلق المسرح، فإنه يطفو على سطح القلب و لا يملك من القوة ما يكفي ليغوص في الأعماق .
إن ما ينطق به الإنسان حين يكون وقته قد انقضى، ليس إلا همسًا يتلاشى في الفراغ إنه صوت بلا صدى، خالٍ من الأثر الذي كان يمكن له أن يتركه لو قيل في اللحظة الصحيحة! لأن الكلمات مثل الأفعال ترتبط بزمانها ومكانها، ولا تُجدي نفعًا إذا انفصلت عن ذلك السياق الذي يمنحها قيمتها.

الحياة قصيرة…/ والزمن لا يرحم، وما يضيع منا من فرص للتعبير أو للتصحيح لا يعود…! لذلك ليست المسألة في القول أو الفعل! بل في التوقيت، أن تكون حاضرًا حين تحتاجك القلوب، أن تنطق حين تكون الكلمة علاجًا، وأن تبادر حين تكون المبادرة حياة ..! هذا هو الاختبار الحقيقي الذي قلّما نجتازه وقلما يغفره الزمن.

أثر لا يُنسى ١

من أعماق نفسي المتأملة والرافضة لكل ما يثقل الروح …! في عالم يمتلئ بالأصوات والآراء لطالما شعرت بأن النقد، سواء كان بنّاءً أو عكس ذلك، يحمل معه وزنًا أثقل مما يمكن لروحي تحمله. لا أقول ذلك بدافع التذمر، وإنما هو شعور عميق يرافقني منذ زمن بعيد، ربما منذ الطفولة التي لم تخلُ من التعليقات والتحليلات التي علّمتني أن أتجنب أي شكل من أشكال النقد.

لطالما كنت أرى أن الكلمات، وإن قيلت بحسن نية، تملك قوة يصعب محوها. إنها تترك بصماتها على الروح، تتراكم ببطء حتى يصبح من الصعب تجاهلها. بالنسبة لي، النقد ليس مجرد كلمات تُقال وتنتهي..! إنها لحظة تعيدني إلى ذلك الطفل الصغير الذي كان يحاول جاهدًا إرضاء الجميع، دون أن يجد سبيلًا إلى الراحة.

ربما لهذا السبب لم أستطع ولن أستطيع، التعايش مع النقد! شعوري تجاهه ليس سوى انعكاس لتجربة طويلة جعلتني أراه كجدارٍ باردٍ يقف بيني وبين إحساسي بالسلام..! حتى عندما يُقال لي إن النقد يُقصد به البنّاء، لا أجد نفسي أراه كذلك. لأن البناء الذي يأتي مصحوبًا بالألم، ليس بناءً أبحث عنه أو أحتاجه.

قد يكون الحل بالنسبة لي هو الابتعاد عن كل ما يُحتمل أن يُطلق كلمات نقدية. ربما هو اختيار البقاء في مساحة من الهدوء، حيث لا تحتاج روحي إلى الدفاع عن نفسها أو تفسير أسبابها.

وفي نهاية الأمر، لكل منا طريقته في التعايش مع العالم./ أما أنا، فقد اخترت طريق السلام مع نفسي، ولو كان ذلك يعني الابتعاد عن مواجهة النقد تمامًا.

فوق كل شيء، لا تكذب على نفسك !فالإنسان الذي يكذب على نفسه، ثم يصغي إلى كذبه، يصل إلى حد لا يعود فيه قادرًا على أن يميز الحقيقة، لا في داخله ولا فيما حوله. وهكذا، يفقد احترامه لنفسه، وللناس من حوله. ومع غياب الاحترام، يختفي الحب.

 

_ دوستويفسكي

حُمّى ..!

وكأنها زائر ثقيل يحلّ بلا دعوة، تسللت الإنفلونزا إلى الجسد كمتآمر ماهر، خادعة، ومتخفية بين صفوف أيامنا المعتادة..! ما إن تشعر بأنك سيد اللحظة، حاملاً عبء العالم وكأنك قادر على تسطير مجده، حتى يأتي هذا الدخيل ليكشف لك كم أنت ضعيف أمام بساطة المرض. هي ليست مجرد آلام في العضلات أو أنف يقطر بلا استئذان…! هي مرآةٌ لما نخفيه عن أنفسنا، إنها تجعل العقل يضطرب، والأفكار تتحول إلى متاهة ضبابية لا خروج منها. هل هو الحمى الذي يعبث بوعيك؟ أم ذلك الإحساس بالوهن الذي يُظهر لنا فجأة كم كنا نحتاج إلى الراحة، إلى الاعتراف بضعفنا؟

ثم تأتي العزلة..! هذا الحكم الذي تفرضه الإنفلونزا بلا محاكمة تجلس وحيدًا، تسمع أصوات الصمت من حولك، وتبدأ أفكارك في التجمع كحشد غاضب…! تسأل نفسك! ما قيمة كل ما نركض خلفه؟ لماذا نبني طموحاتنا على صحة هشّة، قادرة على الانهيار أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة؟

لكن، وكما يحدث في كل شيء في الحياة، يأتي الشفاء كإشارة إلى أن الألم لم يكن إلا مؤقتًا وكأن المرض قد أعطانا فرصة لإعادة النظر في ذواتنا، لنعرف أن القوة الحقيقية ليست في مقاومة المرض، بل في تقبله، والاعتراف بأننا بشر، وأن الضعف جزءٌ من جوهر وجودنا.

هذه تدوينة كتبتها بعد أن قاومت المَرض بكُل ما أوتيت من قوّة !

أراكم لاحقاً .

أبو عيون !

القلق ليس مجرد شعور يتسلل خفية إلى أرواحنا! بل هو إن جاز التعبير كائنٌ حيّ يقف في الظلال مترصدًا لحظات السكون…! تخيلوه معي ..  شخصٌ ذو عينين كبيرتين واسعتين ولامعتين، يحدق فينا دون كلل أو ملل لا يرف له جفن ولا يضيع فرصة لمراقبتنا !

ذلك القلق يقف بجوارنا كرفيق ثقيل الظل، يرمي علينا بنظراته الثاقبة…! إنه ذلك الزائر المزعج الذي يترقب كل خطوة بحذر، وكل فكرة عابرة، مذكّرًا إيانا بأن في داخل كل منا مساحة تثير فضوله الدائم. وما إن نشعر ببعض الطمأنينة حتى يظهر برأسه عاقدًا حاجبيه، متمعنًا في تفاصيل ضعفنا وترددنا ليجعل من كل هفوة قلقًا جديدًا.

أجل يا أعزّاء، إن القلق قد لا يكون مجرد شعور، بل هو شخصية بحد ذاتها تتربص بكل لحظة هدوء في حياتنا، تتغذى على تساؤلاتنا وتنمو في ظلالنا..!