الثلاثاء

يحمل معه تكرار الأمس…! لكنه يجلب معه أيضًا نوعًا من الاستسلام الهادئ كأن الروح قد اعتادت وقع خطوات الرتابة وألفت طريقًا بات يتكرر حتى فقدت الفروقات طعمها. في هذا اليوم يهدأ الصراع الداخلي، ليس لأنه اختفى! بل لأن الإنسان أدرك أن ليس كل سؤال بحاجة إلى إجابة.

الثلاثاء هو يوم الصمت المستتر، يوم تقبل الفكرة بأننا مجرد أوراق تذروها رياح الأيام يجلس المرء في لحظة تأمل! ويستوعب أنه رغم كل محاولاته لتغيير مسار الحياة ليس له إلا الصمود أمام تكرار الساعات… ينظر إلى الوراء إلى بداية الأسبوع.. وإلى الأمام، فيرى أفقًا لم يتغير لكن في داخله قبسًا من الرضا المستتر في قلب الاستسلام.

تزييف !

ليس هناك ما يبعث على التأمل أكثر من مراقبة مشاهد العلاقات الاجتماعية، حيث تُنسج الأحاديث ببراعة، وتزدان المجاملات بنعومة وكأنها قطع من حرير وبينما تتكرر اللقاءات وتُسدل ابتسامات ودودة على المشهد، يظل القلب يحوي سرًّا دفينًا وهو حب الانعزال والشوق إلى لحظات من الهدوء! بعيدًا عن صخب الناس.

ففي حين أن الجميع يؤدون دورهم الاجتماعي بإتقان! يُخفي البعض رغبة خفية في الابتعاد/ في الانسحاب من مسرح الحياة الاجتماعية؛ ليعودوا إلى زواياهم الخاصة، تلك الزوايا التي تمنحهم الشعور بالسلام..! وهذا التزييف -إن صح التعبير- ليس اختيارًا حرًّا بقدر ما هو استجابة لعادات أرست تقاليد صارمة! حيث يتوقع من الجميع المشاركة والاندماج حتى وإن لم تشعر قلوبهم بالراحة.

ولعل المجاملات التي تُلقى بعناية هي درع يتيح لهم العبور بسلام بين مجتمعات باتت تعجُّ بما لا يُقال وما يُقال ! من أجل المجاملة… ومع كل لقاء يزداد الشوق إلى الانعزال، حيث يتعافى القلب بعيدًا عن أضواء المناسبات المتكررة. فعلى هامش المجالس يكون الاشتياق للهدوء حاضرًا، يكاد يُلمس في النظرات الخافتة والكلمات المنتقاة بعناية، تلك التي تعبر عن قلق صامت ورغبة في البقاء بعيدًا عن الضجيج.

ولربما، إن أتيحت لحظات من الاعتراف بأهمية العزلة! لكانت الحياة أكثر بساطة… والمجاملات أقل ضغطًا، ولشعر القلب بارتياح، بعيدًا عن ابتسامات ليست إلا جزءًا من دور اجتماعي مكتوب بعناية.

الإثنين .

يشعر المرء وكأنه في بداية درب طويل متعرج، لا يرى نهايته بوضوح. يبدأ الإنسان بحمل عبء جديد! عبء لم يختَرْه لكنه مجبر على تقبله… يخطو إلى العمل كأنما يساق إلى واجب قديم و متكرر، يختلط فيه الإحساس باللاجدوى بشيء من الأمل العابر. الإثنين يضع المرء وجهًا لوجه أمام حتمية النضال فيعيده إلى تلك التساؤلات العميقة عن جدوى الحياة نفسها.

قد يبدو للآخرين يومًا بسيطًا! ولكن في داخل النفس تتصاعد أسئلة وصراعات هادئة، متخفية خلف ابتسامات عابرة واهتمامات سطحية. يواجه الإنسان الإثنين ليس كفصل من الأسبوع فحسب، بل كمواجهة مع تلك الرتابة الوجودية، كأنه يبحث عن معنى جديد يسد به فجوات الرتابة، ولو ليوم واحد. هكذا يمضي الاثنين في صمت عميق…! كأنه اختبار آخر على الطريق، اختبار الصبر! على أمل أن يكون هناك ضوء في نهاية المسار.

الأحد .

ليس يومًا عابرًا في تقويم الحياة!! بل هو وقفة تذكير بعزلة الروح وسط عالم يسير في زحام صاخب. يومٌ فيه يجد الإنسان نفسه في مواجهة غير مسبوقة مع ذاته، مجردًا من أي ملاذ… فلا العمل يُسليه، ولا الرفاق يملؤون فراغه! يكشف الأحد عن هشاشة المرء،/ عن تلك الوحدة الثقيلة التي تختبئ خلف كل ضحكة زائفة وكل ادعاء بالقوة.

يجلس الرجل في بيته وقد أسدل الظلام ستاره، وتسللت برودة الخريف إلى عظامه…! يبدأ بالترقب إذ يبحث عن دفء مفقود أو شيء يمحو عن كاهله عبء أسبوع مضى وآخر يقترب. ووسط هذه الفوضى!! يرفع عينيه نحو النور المتسلل عبر نافذته، ليكتشف أنه رغم كل شيء ما زال هنا.

الأحد هو درس قاسٍ في الصبر في انتزاع الرضا من قبضة الفراغ، في مواجهة السكون الذي يُنبت بذور التأمل العميق والمواجهة مع النفس.

توتّر !

كثيرًا ما نعيش حياتنا وسط خيوط التوتر! نحتمل عبئًا ثقيلًا على كواهلنا، يتسرب إلى أرواحنا كضبابٍ رمادي يغشى البصيرة ويقيد الأنفاس توترٌ ينشأ في أغلبه من ذلك الصراع الداخلي المستمر…! الصراع بين ما نريد فعله وما نُجبر على فعله..! بين الواقع الذي نحياه والأحلام التي تضغط علينا و تذكّرنا بما لم نحققه وما نخشى ألا نحققه أبدًا.

و للتخفيف من وطأة هذا التوتر.. هي إدراكه، فهم هذا العبء كرفيقٍ غير مرغوب فيه لكنه ملازم والاعتراف بوجوده بصدقٍ دون هرب أو إنكار.. حين تقبل وجود هذا الهمّ، تتغير نظرته من عدوٍ مستمرّ إلى رفيقٍ مؤقت. وكأنك بتسليمك له تكفّ عن مجابهته وتبدأ في محاورته وهذا كما يقولون دائمًا يخفف من ثقله أكثر مما نتخيل.

ثم هناك تلك اللحظات التي يجب فيها للإنسان أن يتخلى عن محاولة السيطرة على كل شيء! أن يمنح نفسه إذنًا بسيطًا ليكون إنسانًا متعبًا، متوتّرًا في هذه المساحة التي يُنشئها لنفسه… تبدأ نفسه المرهقة بالتنفس مجددًا كعصفور خرج للتو من قفصه الحديدي.

ثمّة شيءٌ سحريّ في السير وحيدًا ! فقط أنت وأفكارك والطريق الممتد أمامك.. بعض الناس يسيرون وهم يفرغون التوتر بين خطواتهم/ بعضهم يكتب/ ينقل أحاسيسه إلى ورقةٍ كأنما يرمي فيها أثقاله ويتركها تسكن هناك بعيدًا عن عقله/ والقراءة القراءة ذلك الملاذ الساكن كل سطرٍ يُقرؤه يخفف شيئًا من وطأة الأيام يأخذنا بعيدًا إلى عالمٍ آخر حيث الأبطال يعيشون توترات تشبه توتراتنا وآلامًا نكاد نشاركهم فيها.

ولا بأس أن تكون إنسانًا ضعيفًا أحيانًا بل إن الإنسان في ضعفه يكتشف جزءًا جديدًا من قوته. وأخيرًا… حينما تأوي إلى فراشك في نهاية كل يوم تذكر أن ما تعجز عن فعله الآن قد يسهل في الغد، وأن الراحة ليست عيبًا ولا هروبًا!! بل هي توازنٌ ضروريّ لنفسٍ تنهكها الحياة وتشتاق إلى لحظة سكينة .

حبيبتي نجد .

حديثي اليوم ينقلني إلى قلب نجد، حيث يمتد الحنين إلى أرض خطتها الأقدام وحفرتها الذكريات على صفحات قلوبنا. ينحدر أصلي من جذور بدوية أصيلة، حيث ينبض في عروقنا حب الأرض العذراء وعشق السفر على طرقها الممتدة.. إنه ولاء قديم متجدد، يوقظه الشتاء في كل عام كضيف عزيز.

في طفولتنا كنا نسافر برفقة العائلة نحو ديرة الأجداد، حيث الحياة البسيطة في قلب جنوب نجد، حيث لا صوت غير أصوات الطبيعة، ولا اتصال سوى تلك الأبواب المفتوحة بكرم متأصل تنتظر وصول أي عابر سبيل. وهناك كان الأجداد يستقبلوننا بشوق إذ كانت أصوات السيارات أولى بشائر قدوم الأحباب ومع أن الوقت قد غير معالمنا!! إلا أن بعض أبناء العمومة لا يزالون يرفضون حياة المدن! محافظين على خيامهم شامخة في أحضان الصحراء. ومع كل خبر عن أمطار زارت ديارنا يتجدد الحنين وتعود الذكريات العذبة، فما أروع منظر المطر وهو يغسل صحراء نجد وما أجمل منظر تلك الإبل وهي تفرح بقطرات السماء المباركة هذا الحنين الخالد الذي أيقظه أخي حين أخبرني أن أمطار الخير عادت تزور ديارنا و هو ما دفعني لكتابة هذه الكلمات وحب لنجد كما قال فيها الشاعر الأمير خالد الفصيل :

حبيبتي “نجد” عيني فيك معذروة
معشوقة القلب فيها للنظر سحرا

صور قد ألتقطها و أنا في زيارة الديرة في موسم المطر في أحد السنوات الماضية .

 

وهنا في منطقة أخرى من نجد أثناء موسم الربيع

أكثر من مجرد كلمة لطيفة!

يا أعزّاء، إن الحديث عن العلاقات أمر مشوّق بقدر ما هو معقّد! ففي حين أن الكلمات الجميلة والتصرفات اللطيفة تجذبنا، هناك أمور عدّة تُبنى عليها أي علاقة و قد يختلف عليها البعض لأوضّح لكم ماهي… الصدق أولاً وقبل كل شيء هو الأساس فلا حاجة لي بشخص يتظاهر أو يخفي عني ما هو عليه حقًا..! والثقة ليست شيئًا يُستهان به بل كنزٌ نمنحه لمن يستحق.. كذلك، الاحترام فهو تاج العلاقات، وكل علاقة لا تُعزّز من مقامنا ليست جديرة بالاستمرار.! وبالنسبة للوقت دعونا نكن صريحين إن كانت علاقتك بي مجرد تسلية تملأ بها فراغك! فربما تتركني أعيش في عالمي الخاص، فالعلاقات ليست حلاً للملل بل هي حضور حقيقي يعبر عن قيمتك ومكانتك في حياة من تحب.! أما الكذب…… فذلك ما لا يُغتفر! فالصدق أساس الثقة ومن يلعب به يخسرها للأبد وأنا أقدّر تمامًا من يحترم مشاعري ويتعامل معها بصدق فلا مجال هنا للتلاعب أو التظاهر ، وقبل أن تجرؤ على عقد أي مقارنة! أذكّرك بأنني أنا كما أنا بصفاتي وتفرّدي ولن أقبل أن أُقاس بأي أحد.! أما آلامي، فلا تستخفّ وتستهين بها فنحن جميعًا نحمل جراحًا، حتى وإن لم تظهر للعين فإنها تعيش معنا وتترك أثرًا في القلب.. ومن يتبعها سيجد بين يديه ما يكفي من الصدق والاحترام . 

حين تعود اللحظات الضائعة: صباحات القهوة والسكينة ١

كانت هناك أيام في صباحاتٍ خلت منذ سنوات، حين اعتدت على بدء يومي يبدأ بفنجان قهوة سوداء، صافية ونقيّة كما يجب أن تكون، أضع لحنًا محببًا في الخلفية وأعدُّ لنفسي طبقًا بسيطًا من الفرنش توست، وكأن هذه الطقوس الصغيرة كانت مفتاح سعادتي. كنت أهرب إلى زاوية في الفناء، و بعيدًا عن ركام الأغراض المتناثرة ! لم يكن يهمّني سوى أن يكون الجوّ جميلًا، وكلّ ما عدا ذلك يمكن التغاضي عنه. ساعتان من السكون والصفاء الذهني، ذلك الوقت السحري الذي لم أكن أحتاج فيه سوى نفسي، أما الآن…، أيكون كثيرًا أن أطلب عودة هذه اللحظات؟ لحظات سلام تمنحني ذلك النفس الطويل الذي كان يخفف أعباء الأيام.

واليوم بعد سنين قررت إحياءها! كانت السماء قد فاضت بالمطر لساعات متواصلة، يا للسعادة جو جميل وسماء غائمة!!  وجدت ركنًا هادئًا في الفناء، وحملت بيدي كوب إسبرسو مخففًا .! حتى أنني بحثت عن لحن قديم فوجدت مقطوعة لسميّة قيصر سرقتني إلى الماضي وهكذا يا أعزّاء، مرّ اليوم بخفة، و لمسة من السعادة وسط عالمٍ ما عاد كما كان.

 

 

 

هذا الدّور لا يناسبني!

” يا مقبل الأيام ما عاد بي حيل           منين أجيب لباقي العمر رغبة؟ ” 

كلماتٌ ثقيلة تعبّر عمّا يتردد في ذهني كل يوم، وكأنها انعكاس لكل ما أحمله في داخلي من تعب لا يُرى، أو ربما يُرى!

الأيام تمضي بثقلها! وكأنها تسرق مني القوة والرغبة شيئًا فشيئًا التفكير في المستقبل لم يعد يحمل بريقًا أو حماسًا كما كان من قبل! بل أصبح مجرد عبء إضافي يثقل كاهلي و لم يعد هناك مكان لتلك الأحلام التي كانت ترافقني! وكل ما تبقى هو تعبٌ مستمر يأخذ مني كل شيء…… وفي خضم هذا كله! يظهر ذلك الشخص الثقيل الذي لا يشعر بوجودي ولا يبالي بما أمرّ به وجوده بحد ذاته صار عبئًا لا يُحتمل ! ثقيل جدًا يتصرف بلا اكتراث غير مدرك للثقل الذي يضعه عليّ، أو ربما هو مُدرك؟!! و أنا بالكاد أحتمل نفسي أبحث عن راحة عن لحظة سكون تهدأ فيها كل الأفكار التي تلاحقني لا أريد أن أكون دائمًا ذلك الشخص القوي الذي يُعتمد عليه في كل شيء تعبت من حمل هموم غيري بينما هم لا يدركون حتى أنني بحاجة لمن يحمل همومي….. أريد تبديل هذا الدّور أحتاج لمن يفهمني، لمن يقف بجانبي دون أن يطلب مني أن أكون الظهر الذي يُسند عليه! أشتاق ليد تربت على كتفي، لصوت يهمس في أذني أنا هنا، لا بأس .

 

 

*اخترت الصورة لأنني وجدت شيئاً من ملامحها يشبهني

مُربكة !

من الغريب أنني كلما هممت بالكتابة وجدت القلق والتوتر يتسللان إلى عقلي!! الكتابة يا أعزّاء ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق! إنها مربكة بالفعل تستهلك جزءًا كبيرًا من حياتي حيث أضع فيها كل مشاعري و آلامي وحتى لحظات ضعفي!! فلا عجب أن نقيس أعمارنا بعدد الكلمات التي كتبناها وليس بعدد الأيام التي عشناها!

وحتي بعد ما أكتب تراودني تلك الأسئلة التي لا تفارقني… هل ما كتبته يستحق حقًا! أم أنني أسكن وهمًا من صُنع خيالي؟! في بعض الأحيان أشعر وكأنني لا أجيد الكتابة على الإطلاق! ربما أكون قاسية بعض الشيء على نفسي ولكنني مع ذلك أجد دائمًا متعة في ترك نهاياتي مفتوحة! تلك النهايات التي لا تبوح بكل شيء فمنذ أن بدأت الكتابة وأنا أعيش في عالم من النهايات الغير مكتملة!

صحيح أنني لا أنشر كل ما أكتبه لأنني أعتبره غير مناسب للنشر! لكن سرعان ما أجد نفسي أكتب نصًا وأقوم بتنقيحه حتى يصل إلى مستوى يرضيني نوعاً ما! حتى أنني أجد نفسي غارقة في البحث عن صورة أو لوحة تتناسب مع ما كتبت…  وبالمناسبة، هناك من سألني عن مصدر الصور التي أستخدمها في التدوينات و هي غالبًا ما تكون من هذا الموقع الرائع “ https://www.rawpixel.com “.