فات الأوان !

إن الالتفاتة التي تأتي بعد فوات الأوان مهما بدت صادقة أو عميقة، لا يمكن أن تلامس قلبي الذي اعتاد الصمت بعد أن أرهقته الانتظارات الطويلة.
نحن في أعماقنا كائنات متعطشة للحظات صادقة تأتي في أوانها، و للحضور الذي يأتي حين نحتاج إليه ..! الكلمات التي تُقال بعد مرور مدّة من الزمن ليست سوى أصداء خافتة، تُسمَع لكنها لا تُحَس..! تلك الكلمات مهما كانت منتقاة أو مشبعة بالعاطفة، تفقد ثقلها عندما تصل متأخرة! وكأنها عبء آخر يُلقى على كاهل القلب بدلًا من أن تكون بلسمًا لجراحه.

وبالنسبة للاعتذار المتأخر! الذي يصل بعد أن تنطفئ الأضواء ويُغلق المسرح، فإنه يطفو على سطح القلب و لا يملك من القوة ما يكفي ليغوص في الأعماق .
إن ما ينطق به الإنسان حين يكون وقته قد انقضى، ليس إلا همسًا يتلاشى في الفراغ إنه صوت بلا صدى، خالٍ من الأثر الذي كان يمكن له أن يتركه لو قيل في اللحظة الصحيحة! لأن الكلمات مثل الأفعال ترتبط بزمانها ومكانها، ولا تُجدي نفعًا إذا انفصلت عن ذلك السياق الذي يمنحها قيمتها.

الحياة قصيرة…/ والزمن لا يرحم، وما يضيع منا من فرص للتعبير أو للتصحيح لا يعود…! لذلك ليست المسألة في القول أو الفعل! بل في التوقيت، أن تكون حاضرًا حين تحتاجك القلوب، أن تنطق حين تكون الكلمة علاجًا، وأن تبادر حين تكون المبادرة حياة ..! هذا هو الاختبار الحقيقي الذي قلّما نجتازه وقلما يغفره الزمن.

أثر لا يُنسى ١

من أعماق نفسي المتأملة والرافضة لكل ما يثقل الروح …! في عالم يمتلئ بالأصوات والآراء لطالما شعرت بأن النقد، سواء كان بنّاءً أو عكس ذلك، يحمل معه وزنًا أثقل مما يمكن لروحي تحمله. لا أقول ذلك بدافع التذمر، وإنما هو شعور عميق يرافقني منذ زمن بعيد، ربما منذ الطفولة التي لم تخلُ من التعليقات والتحليلات التي علّمتني أن أتجنب أي شكل من أشكال النقد.

لطالما كنت أرى أن الكلمات، وإن قيلت بحسن نية، تملك قوة يصعب محوها. إنها تترك بصماتها على الروح، تتراكم ببطء حتى يصبح من الصعب تجاهلها. بالنسبة لي، النقد ليس مجرد كلمات تُقال وتنتهي..! إنها لحظة تعيدني إلى ذلك الطفل الصغير الذي كان يحاول جاهدًا إرضاء الجميع، دون أن يجد سبيلًا إلى الراحة.

ربما لهذا السبب لم أستطع ولن أستطيع، التعايش مع النقد! شعوري تجاهه ليس سوى انعكاس لتجربة طويلة جعلتني أراه كجدارٍ باردٍ يقف بيني وبين إحساسي بالسلام..! حتى عندما يُقال لي إن النقد يُقصد به البنّاء، لا أجد نفسي أراه كذلك. لأن البناء الذي يأتي مصحوبًا بالألم، ليس بناءً أبحث عنه أو أحتاجه.

قد يكون الحل بالنسبة لي هو الابتعاد عن كل ما يُحتمل أن يُطلق كلمات نقدية. ربما هو اختيار البقاء في مساحة من الهدوء، حيث لا تحتاج روحي إلى الدفاع عن نفسها أو تفسير أسبابها.

وفي نهاية الأمر، لكل منا طريقته في التعايش مع العالم./ أما أنا، فقد اخترت طريق السلام مع نفسي، ولو كان ذلك يعني الابتعاد عن مواجهة النقد تمامًا.

فوق كل شيء، لا تكذب على نفسك !فالإنسان الذي يكذب على نفسه، ثم يصغي إلى كذبه، يصل إلى حد لا يعود فيه قادرًا على أن يميز الحقيقة، لا في داخله ولا فيما حوله. وهكذا، يفقد احترامه لنفسه، وللناس من حوله. ومع غياب الاحترام، يختفي الحب.

 

_ دوستويفسكي

حُمّى ..!

وكأنها زائر ثقيل يحلّ بلا دعوة، تسللت الإنفلونزا إلى الجسد كمتآمر ماهر، خادعة، ومتخفية بين صفوف أيامنا المعتادة..! ما إن تشعر بأنك سيد اللحظة، حاملاً عبء العالم وكأنك قادر على تسطير مجده، حتى يأتي هذا الدخيل ليكشف لك كم أنت ضعيف أمام بساطة المرض. هي ليست مجرد آلام في العضلات أو أنف يقطر بلا استئذان…! هي مرآةٌ لما نخفيه عن أنفسنا، إنها تجعل العقل يضطرب، والأفكار تتحول إلى متاهة ضبابية لا خروج منها. هل هو الحمى الذي يعبث بوعيك؟ أم ذلك الإحساس بالوهن الذي يُظهر لنا فجأة كم كنا نحتاج إلى الراحة، إلى الاعتراف بضعفنا؟

ثم تأتي العزلة..! هذا الحكم الذي تفرضه الإنفلونزا بلا محاكمة تجلس وحيدًا، تسمع أصوات الصمت من حولك، وتبدأ أفكارك في التجمع كحشد غاضب…! تسأل نفسك! ما قيمة كل ما نركض خلفه؟ لماذا نبني طموحاتنا على صحة هشّة، قادرة على الانهيار أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة؟

لكن، وكما يحدث في كل شيء في الحياة، يأتي الشفاء كإشارة إلى أن الألم لم يكن إلا مؤقتًا وكأن المرض قد أعطانا فرصة لإعادة النظر في ذواتنا، لنعرف أن القوة الحقيقية ليست في مقاومة المرض، بل في تقبله، والاعتراف بأننا بشر، وأن الضعف جزءٌ من جوهر وجودنا.

هذه تدوينة كتبتها بعد أن قاومت المَرض بكُل ما أوتيت من قوّة !

أراكم لاحقاً .

أبو عيون !

القلق ليس مجرد شعور يتسلل خفية إلى أرواحنا! بل هو إن جاز التعبير كائنٌ حيّ يقف في الظلال مترصدًا لحظات السكون…! تخيلوه معي ..  شخصٌ ذو عينين كبيرتين واسعتين ولامعتين، يحدق فينا دون كلل أو ملل لا يرف له جفن ولا يضيع فرصة لمراقبتنا !

ذلك القلق يقف بجوارنا كرفيق ثقيل الظل، يرمي علينا بنظراته الثاقبة…! إنه ذلك الزائر المزعج الذي يترقب كل خطوة بحذر، وكل فكرة عابرة، مذكّرًا إيانا بأن في داخل كل منا مساحة تثير فضوله الدائم. وما إن نشعر ببعض الطمأنينة حتى يظهر برأسه عاقدًا حاجبيه، متمعنًا في تفاصيل ضعفنا وترددنا ليجعل من كل هفوة قلقًا جديدًا.

أجل يا أعزّاء، إن القلق قد لا يكون مجرد شعور، بل هو شخصية بحد ذاتها تتربص بكل لحظة هدوء في حياتنا، تتغذى على تساؤلاتنا وتنمو في ظلالنا..!

السبت .

 هو يوم الحرية، الحرية التي تأتي ومعها تساؤلات لم تُجب بعد! يخيّل للمرء أنه حرٌ..! ولكنه يجد أن أفكاره ما زالت أسيرة لأحداث الأسبوع الماضي، بل إنها تترقب عودته إلى دورة العمل! السبت هو كالمأوى، ولكنه مأوى مؤقت…./ يفكر المرء كيف يقضي ساعاته ويفشل في انتزاع نفسه من روتين الحياة المستمر ليجد نفسه دون وعي! عالقاً في دوامة التفكير في الغد.

هو يوم يسمح لنفسه فيه بالاسترخاء/ لكنه يدرك أن هذا الاسترخاء هش، كأنه شيء مسروق من زحمة الحياة! السبت هو واحة مؤقتة، يجد فيها الإنسان لحظات هادئة، لكن في أعماقه يعي أن كل هذا سيزول عند أول صباح جديد.

الجمعة .

يومٌ تملأه الراحة، ولكنه يحمل في طياته قلقًا خفيًا..! إنه يوم الاحتفاء المؤقت فالعقل يعرف أن هذه الراحة لن تدوم … يشعر الإنسان كأنه يقف على حافة مستمتعًا بلحظات الهدوء ولكنه يدرك أن السبت يوشك أن يأتي ومعه دورة جديدة الجمعة هو هروب قصير…! مساحة ينقطع فيها الزمان يتسرب فيها شعور بالطمأنينة إلى القلب لكن العارف يدرك أن هذا السلام ليس إلا وهماً عابرًا..!

يجلس الإنسان مساء الجمعة وينظر إلى الأسبوع الذي مضى فيحمد نفسه على اجتيازه، ولو أنه يعلم في أعماقه أن كل راحة تأتي مشوبة بالقلق! الجمعة… إذًا هو ذلك التوازن الهش بين فرحة العطلة وقلق العودة ، بين رغبة الانفصال وشبح الدوامة التي تنتظر في الأفق.

الخميس

يأتي بشعور متناقض!! إذ يحمل بعض الأمل ويكشف عن ظلال تعب لم يفارق بعد. كأن الراحة تلوح من بعيد ومع ذلك يظل عبء الأيام الماضية حاضراً ثقيلًا على الأكتاف يجد المرء نفسه في لحظة من التفكير بين الماضي والمستقبل، بين ما أنجز وما لا يزال يثقل كاهله.

الخميس هو استراحة محارب، ليس للراحة التامة بل لتأمل الطريق المتبقي! يبدأ العقل بالبحث عن معنى في هذه الرحلة المتكررة، فيجد أن هناك قيمة ما في التكرار ذاته! في أن يسير الإنسان رغم الشكوك نحو نهاية الأسبوع. الخميس ليس للانتصار! بل للقبول بصبر والاستعداد للهدوء الذي قد ينتظره في نهاية المطاف.

الأربعاء .

النقطة التي يشعر فيها الإنسان بشيء من الاستقرار لقد عبر أغلب المسار..! وما زال على قدميه. ولو أن الخطى صارت أثقل! الأربعاء في عيني يشبه قمة الجبل هو لحظة قصيرة من السكون والتأمل بعد أيام من الصراع، تتسلل فكرة عابرة ربما هناك راحة في الاستمرار! ربما في تحمل الأعباء نوع من السلام الداخلي و الذي لا يشعر به إلا من اعتاد الطريق الوعر.

يجد الإنسان نفسه على مفترق ينظر إلى ما مضى وما سيأتي ويدرك في لحظة نادرة أن رحلته ليست سوى بحث لا ينتهي عن شيء غير ملموس. الأربعاء هو اختبار للروح! اختبار لصبرها ولقدرتها على الصمود… ولعل هذه الوقفة في منتصف الطريق هي كل ما يحتاجه كي يستمر.

الثلاثاء

يحمل معه تكرار الأمس…! لكنه يجلب معه أيضًا نوعًا من الاستسلام الهادئ كأن الروح قد اعتادت وقع خطوات الرتابة وألفت طريقًا بات يتكرر حتى فقدت الفروقات طعمها. في هذا اليوم يهدأ الصراع الداخلي، ليس لأنه اختفى! بل لأن الإنسان أدرك أن ليس كل سؤال بحاجة إلى إجابة.

الثلاثاء هو يوم الصمت المستتر، يوم تقبل الفكرة بأننا مجرد أوراق تذروها رياح الأيام يجلس المرء في لحظة تأمل! ويستوعب أنه رغم كل محاولاته لتغيير مسار الحياة ليس له إلا الصمود أمام تكرار الساعات… ينظر إلى الوراء إلى بداية الأسبوع.. وإلى الأمام، فيرى أفقًا لم يتغير لكن في داخله قبسًا من الرضا المستتر في قلب الاستسلام.